فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الوقوف:

{تهتدوا} ط {المشركين} o {ومن ربهم} ج لطول الكلام والاستئناف والأصح أنه حال أي آمنا غير مفرقين {منهم} ج لاحتمال الابتداء والحال أوجه {مسلمون} o {اهتدوا} ج لابتداء شرط آخر مع العطف {شقاق} للابتداء بسين الوعيد مع دخول الفاء {فسيكفيكهم الله} ج لاحتمال الواو الابتداء والحال {العليم} ط لأن الجملة الناصبة لقوله: {صبغة الله} محذوفة يدل عليها قوله: {آمنا بالله} وقوله: {فإن آمنوا} شرط معترض {صبغة الله} ج لابتداء الاستفهام مع أن الواو للحال {صبغة} ج على جعل الواو للابتداء أو للحال أو للعطف على آمنا {عابدون} o {وربكم} ج لأن الواو يصلح أن يكون عطفًا على الحال الأولى ويصلح أن يكون مستأنفًا {أعمالكم} ج {مخلصون} ط لمن قرأ {أم يقولون} بياء الغيبة، ومن قرأ بالتاء لم يقف لكون {أم} معادلة للهمزة في {أتحاجوننا} {أو نصارى} ط {أم الله} ط {من الله} ط {تعملون} o {فدخلت} ج {ما كسبتم} ج {يعملون}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السعدي:

رد الله عليهم بقوله: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} فالله يقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهم يقولون: بل كان يهوديا أو نصرانيا.
فإما أن يكونوا، هم الصادقين العالمين، أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك، فأحد الأمرين متعين لا محالة، وصورة الجواب مبهم، وهو في غاية الوضوح والبيان، حتى إنه- من وضوحه- لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق، ونحو ذلك، لانجلائه لكل أحد، كما إذا قيل: الليل أنور، أم النهار؟ والنار أحر أم الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل أأنتم أعلم أم الله}: القول في القراءات في أأنتم، كهو في قوله: {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وقد توسط هنا المسئول عنه، وهو أحسن من تقدمه وتأخره، إذ يجوز في العربية أن يقول: أأعلم أنتم أم الله؟ ويجوز: أأنتم أم الله أعلم؟ ولا مشاركة بينهم وبين الله في العلم حتى يسأل: أهم أزيد علمًا أم الله؟ ولكن ذلك على سبيل التهكم بهم والاستهزاء، وعلى تقدير أن يظن بهم علم، وهذا نظير قول حسان:
فشركما لخيركما الفداء

وقد علم أن الذي هو خير كله، هو الرسول عليه السلام، وأن الذي هو شر كله، هو هاجيه. وفي هذا ردّ على اليهود والنصارى، لأن الله قد أخبر بقوله: {ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} ولأن اليهودية والنصرانية إنما حدثتا بعد إبراهيم، ولأنه أخبر في التوراة والإنجيل أنهم كانوا مسلمين مميزين عن اليهودية والنصرانية. وخرجت هذه الجملة مخرج ما يتردد فيه، لأن اتباع أحبارهم ربما توهموا، أو ظنوا، أن أولئك كانوا هودًا أو نصارى لسماعهم ذلك منه، فيكون ذلك ردًّا من الله عليهم، أو لأن أحبارهم كانوا يعلمون بطلان مقالتهم في إبراهيم ومن ذكر معه، لكنهم كتموا ذلك ونحلوهم إلى ما ذكروا، فنزلوا لكتمهم ذلك منزلة من يتردد في الشيء، وردّ عليهم بقوله: أأنتم أعلم أم الله، لأن من خوطب بهذا الكلام بادر إلى أن يقول: الله أعلم، فكان ذلك أقطع للنزاع. اهـ.
سؤال: فإن قيل لم أنكر الله تعالى ذلك القول عليهم؟
فالجواب: إنما أنكر الله تعالى ذلك القول عليهم لوجوه. أحدها: لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوته بسائر المعجزات، وقد أخبر عن كذبهم في ذلك فثبت لا محالة كذبهم فيه. وثانيها: شهادة التوراة والإنجيل على أن الأنبياء كانوا على التوحيد والحنيفية. وثالثها: أن التوراة والإنجيل أنزلا بعدهم. ورابعها: أنهم ادعوا ذلك من غير برهان فوبخهم الله تعالى على الكلام في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار والغرض منه الزجر والتوبيخ وأن يقرر الله في نفوسهم أنهم يعلمون أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون. اهـ.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ}.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شهادة عِندَهُ مِنَ الله} أي كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهي شهادته لإبراهيم بالحنيفية. ويحتمل معنيين: أحدهما أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم، لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها. والثاني: أنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها. وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة في كتبهم وسائر شهاداته. اهـ.
سؤال: ما المراد بالشهادة في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ}؟
واختلف في الشهادة هنا ما هي؟ فقال مجاهد والحسن والربيع: هي ما في كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية لا على ما ادعوا هم، وقال قتادة وابن زيد: هي ما عندهم من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، والأول أِبه بسياق معنى الآية، واستودعهم الله تعالى هذه الشهادة ولذلك قال: {من الله}، ف {من} على هذا متعلقة ب {عنده}، كأن المعنى شهادة تحصلت له من الله، ويحتمل أن تتعلق {من} ب {كتم}، أي كتمها من الله. اهـ.

.قال الألوسي:

وفي ري الظمآن أن {مَنْ} صلة {أَظْلَمَ} والكلام على التقديم والتأخير كأنه قيل: ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت عنده كقولك ومن أظلم من زيد من جملة الكاتمين للشهادة، والمعنى لو كان إبراهيم وبنوه يهودًا أو نصارى ثم إن الله تعالى كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه لكن لما استحال ذلك مع عدله وتنزيهه عما لا يليق علمنا أن الأمر ليس كذلك، وقيل: إن من صلة كتم والكلام على حذف مضاف أي كتم من عباد الله شهادة عنده ومعناه أنه تعالى ذمهم على منع أن يوصلوا إلى عباد الله تعالى، ويؤدوا إليهم شهادة الحق، ولا يخفى ما في هذين الوجهين من التكلف والتعسف وانحطاط المعنى فلينزه كتاب الله تعالى العظيم عنه، على أنك لو نظرت بعين الانصاف رأيت الوجه الثاني من الأولين لا يخلو عن بعد لأن الآية إنما تقدمها الإنكار لما نسب إلى إبراهيم عليه السلام، ومن ذكر معه فالذي يليق أن يكون الكلام مع أهل الكتاب لا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه لأنهم مقرون بما أخبر الله تعالى به وعالمون بذلك فلا يفرض في حقهم كتمانه والتذييل الذي ادعى فيه خلاف الظاهر أيضًا. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله}.
جمعه مع {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله} ومع {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} يقتضي التساوي إلا ما دل الدليل على التفاوت فيه بل أقوالهم تضمنت كتم الشهادة فيقال: إنما علق الظلم على الكتم ليعلم أن شهادة الزور أعظم جريمة فقد وعده بالعذاب على الوجهين ووبخوا بفعل ما ارتكبوا من ذلك والشهداء على ثلاثة أقسام: شاهد بالحق، وشاهد بالزور، وكاتم للشهادة، فلا يشهد بشيء مع علمه بها. وهؤلاء شهدوا بالزور ولم يكتموا الشهادة فقالوا: {كُونُواْ هُودًا أَوْ نصارى} فعلق الحكم على الأخف ليفيد العقوبة على ما هو أشد منه من باب أحرى. اهـ.
قوله تعالى: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
وأما قوله تعالى: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} فهو الكلام الجامع لكل وعيد، ومن تصور أنه تعالى عالم بسره وإعلانه ولا يخفى عليه خافية أنه من وراء مجازاته إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر لا يمضي عليه طرفة عين إلا وهو حذر خائف ألا ترى أن أحدنا لو كان عليه رقيب من جهة سلطان يعد عليه الأنفاس لكان دائم الحذر والوجل مع أن ذلك الرقيب لا يعرف إلا الظاهر، فكيف بالرب الرقيب الذي يعلم السر وأخفى إذا هدد وأوعد بهذا الجنس من القول. اهـ.

.قال السمرقندي:

هذا القول وعيد للظالم وتعزية للمظلوم. اهـ.
فإن قيل: ما الحكمة في عدوله عن قوله: {وَاللهُ عَلِيمٌ} إلى {وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ}.
فالجواب: أن نفي النقائص وسلبها عن صفاتا لله تعالى أكمل من ذكر الصفات مجردة عن ذكر نفي نقيضها، فإن النقيض يستلزم إثبات النقيض وزيادة، والإثبات لا يستلزم نفي النقيض؛ لأن العليم قد يفضل عن النقيض، فلما قال الله تعالى: {وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ} دلّ ذلك على أنه عالم، وعلى أنه غير غافل، وذلك أبلغ في الزجر المقصود من الآية.
فإن قيل: قد قال تعالى في موضع آخر: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف: 19].
فالجواب: أن ذلك سيق لمجرد الإعلام بالقصّة لا للزجر، بخلاف هذه الآية، فإن المقصود بها الزجر والتهديد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد الشعراوي في الآية:
قال رحمه الله:
{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}.
اليهود والنصارى ادعوا أن الأنبياء السابقين لموسى وعيسى كانوا يهودا أو نصارى. فاليهود ادعوا أنهم كانوا يهودا. والنصارى ادعوا أنهم كانوا نصارى، الله سبحانه وتعالى يرد عليهم بقوله: {قل أأنتم أعلم أم الله}.
والسؤال هنا لا يوجد له إلا رد واحد لأنهم لن يستطيعوا أن يقولوا نحن أعلم من الله.. وقلنا إنه إذا طرح سؤال في القرآن الكريم فلابد أن يكون جوابه مؤيدا بما يريده الحق سبحانه وتعالى ولا يوجد له إلا جواب واحد.. ولذلك فإن قوله تعالى: {أأنتم أعلم أم الله} والله لاشك أعلم وهذا واقع.
إذن فكأن الله بالسؤال قد أخبر عن القضية.. ولكن يلاحظ في الآية الكريمة ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.. وفي ذكر إسماعيل دائما مع إسحاق ويعقوب يدل على وحدة البلاغ الإيماني عن الله؛ لأن إسماعيل كان في أمة العرب وإسحاق ويعقوب كانا في بني إسرائيل. والحق سبحانه وتعالى يتحدث عن وحدة المصدر الإيماني لخلقه؛ لأنه لا علاقة أن يكون إسماعيل للعرب وإسحاق لغير العرب بوحدة المنهج الإلهي. ولذلك تقرأ قول الحق تعالى: {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} من الآية 133 سورة البقرة.
والله الذي بعث إسماعيل هو الله الذي بعث إسحاق إله واحد أحد.. ومادام الإله واحدًا فالمنهج الإيماني لابد أن يكون واحدا.. فإذا حدث خلاف فالخلاف من البشر الذين يحرفون المنهج ليحققوا شهوات ومكاسب لهم.. وكل نفس لها ما كسبت فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يضيف إليكم شيئا في الآخرة.. إن كانوا مؤمنين فلن ينفعكم أن تكفروا وأن تقولوا نحن ننتسب إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق.. وإن كانوا غير ذلك فلا يضركم شيئا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}.
قال القرطبي رحمه الله: وجمع إسحاق: أساحيق.
وحكى الكوفيون: أساحقة، وأساحق؛ وكذا يعقوب ويعاقيب ويعاقبة ويعاقب.
قال النحاس رحمه الله: فأما إسرائيل فلا نعلم أحدًا يجيز حذف الهمزة من أوّله، وإنما يقال: أساريل.
وحكى الكوفيون أسارلة، وأسارل.
والباب في هذا كله أن يجمع مسَّمًا فيقال: إبراهيمون، وإسحاقون، ويعقوبون، والمسلَّم لا عمل فيه.
قال القرطبي رحمه الله تعالى وقوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ}: قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، وابن عامر بتاء الخطاب، والباقون بالياء.
فأما قراءة الخطاب، فتحتمل أم فيها وجهين:
أحدهما: أن تكون المتّصلة، والتعادل بين هذه الجملة وبين قوله: {أَتُحَاجُّونَنَا} فالاستفهام عن وقوع أحد هذين الأمرين: المُحَاجَّة في الله، أو ادعاء على إبراهيم، ومن ذكر معه اليهودية والنصرانية، وهو استفهام إنكار وتوبيخ كما تقدم، فإنّ كلا الأمرين باطلٌ.
قال ابن الخَطِيبِ: إن كانت متّصلة تقديره: بأي الحُجّتين تتعلّقون في أمرنا؟
أَبِالتَّوْحِيدِ فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء فنحن متّبعون؟
والثاني: أن تكون المنقطعة، فتتقدر ببل والهمزة على ما تقدر في المنقطعة على أصح المذاهب.
والتقدير: بل أتقولون؟
والاستفهام للإنكار والتوبيخ أيضًا فيكون قد انتقل عن قوله: أتحاجوننا وأخذ في الاستفهام عن قضية أخرى، والمعنى على إنكار نسبة اليهودية والنصرانية إلى إبراهيم ومن ذكرمعه، كأنه قيل: أتقولون: إن الأنبياء علليه السلام كانوا قبل نزول التوراة والإنجيل هودًا أو نصارى.
وأما قراءة الغيبة فالظاهر أن أم فيها منقطعة على المعنى المتقدم، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنها متّصلة؛ لأنك إذا قلت: أتقوم أم يقوم عمرو؛ أيكون هذا أم هذا، أورد ابن عطية هذا الوجه فقال: هذا المثال غير جيّد؛ لأن القائل غير واحد، والمخاطب واحد، والقول في الآية من اثنين، والمخاطب اثنان غيران، وإما تتّجه معادلة أم للألف على الحكم المعنوى، كأن معنى قل: أتحاجوننا: أيحاجون يا محمد أم تقولون.
وقال الزمخشري: وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلاَّ منطقعة.
قال أبو حيان رحمه الله تعالى: ويمكن الاتصال مع قراءة الياء، ويكون ذلك من الالتفات إذا صار فيه خروج من خطاب إلى غيبة، والضمير لناس مخصوصين.
وقال أبو البقاء: أم تقولون يقرأ بالياء ردًّا على قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ}، فجعل هذه الجملة متعلّقة بقوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ}، وحينئذ لا تكون إلا منقطعة لما عرفت أن من شرط المتصلة تقدم همزة استفهام أو تسوية مع أن المعنى ليس على أن الانتقال من قوله: {فسيكفيكهم} إلى قوله: {أم يقولون} حتى يجعله ردًّا عليه، وهو بعيد عنه لفظًا ومعنى.
وقال أبو حيان: الأحسن في القراءتين أن تكون {أم} منقعطة، وكأنه أنكر عليهم محاجتهم في الله، وسبة أنبيائه لليهودية والنصرانية، وقد وقع منهم ما أنكر عليهم ألا ترى إلى قوله: {ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 65] الآيات.
وإذا جعلناها متصلة كان ذلك غير متضمن وقوع الجملتين، بل إحداهما، وصار السؤال عن تعيين إحداهما، وليس الأمر كذلك إذ وقعا معًا.
وهذا الذي قاله الشيخ حَسَن جدًا.
و{أو} في قوله: {هُودًا أو نصارى} كهي في قوله: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 111] وقد تقدم تحقيقه.
قوله تعالى: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله}.
معناه: أن الله أعلم، وَخَبره أصدق، وقد أخبر في التوراة والإنجيل، وفي القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أنه كانوا مسلمين مبرئي عن اليهودية والنصرانية.
فإن قيل: إنما يقال هذا فيمن لا يعلمن وهم علموه وكتموه، فكيف يصح الكلام؟
فالجواب: من قال: إنهم كانوا على ظَنّ وتوهم، فالكلام ظاهر، ومن قال: علموا وجحدوا، فمعناه: أن منزلتكم منزلة المعترضين على ما يعلم أن الله أخبر به، فلا ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله تعالى أعلم.
و{أم} في قوله تعالى: {أم الله} متصلة، والجلالة، عطف على {أنتم}، ولكنه فصل بي المتعاطفين بالمسئول عنه، وهو أحسن الاستعمالات الثلاثة؛ وذلك أنه يجوز في مثل هذا التركيب ثلاثة أوجه: تقدم المسئول عنه نحو قوله: {أأعلم أم الله}، وتوسطه نحو {أأنتم أعلم أم الله}، وتأخيره نحو: أأنتم أم الله أعلم.
وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: {أم الله} مبتدأ، والخبر محذوفل أي: أم الله أعلم، و{أم} هنا متصلة، أي: ربكم أعلم، وفيه نظر؛ لأنه إذا قدر له خبرًا صناعيًا صار جملة، و{أم} المتصلة لا تعطف الجمل، بل المفرد وما فيها معناه.
وليس قول أبي البقاء بتفسير معنى، فيغتفر له ذلك، بل تفسير إعراب، والتفصيل في قوله: {أعلم} على سبيل الاستهزاء، وعلى تقدير أن يظن بهم علم، فيكون من الجهلة، وإلا فلا مشاركة، ونظيره قول حسان: الوافر:
أَتهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ** شَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ

وقد علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام خير الكل.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله}.
في {من} من قوله: {مِنَ اللهِ} أربعة أوجه:
أحدها: أنها متعلقة ب {كنتم}، وذلك على حذف مضاف أي: كتم من عباد الله شهادة عنده.
الثاني: أن تتعلق بمحذوف على أنها صفة لشهادة بعد صفة؛ لأن {عنده} صفة لشهادة، وهو ظاهر قول الزمخشري رحمه الله، فإنه قال: و{من} في قوله: {شَهَادَةً مِنَ اللهِ} مثلها في قولك: هذه شهادة مني لفلان إذا شهدت له، ومثله: {بَرَاءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1].
الثالث: أنها في محلّ نصب على الحال من المضمر في {عنده} يعني: من الضمير المرفوع بالظَّرف لوقوعه صفة، ذكره أبو البقاء رحمه الله تعالى.
الرابع: أن يتعلّق بذلك المحذوف الذي تعلق به الظرف، وهو {عنده} لوقوعه صفة، والفرق بينه وبين الوجه الثاني أن ذلك له عامل مستقل غير العامل في الظرف.
قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تعلق {من} بشهادة لئلًا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة يعني: أن {شهادة} مصدر مؤول بحرف مصدري وفعل، فلو عَلّقت {مِنْ} بها لكنت قد فصلت بين ما هو في معنى الموصول، وبين أبعاض الصّلة بأجنبي، وهو الظرف الواقع صفة لشهادة.
وفيه نظر من وجهين:
أحدهما: لا نسلم أن {شهادة} ينحل إلى الموصول وصلته فإن كل مصدر لا ينحل لهما.
والثاني: سلمنا ذلك، ولكن لا نسلم والحالة هذه أن الظرف صفة، بل هو معمول لها، فيكون بعض الصلة أجنبيًا حتى يلزم الفصل به بين الموصول وصلته، وإنما كان طريق منع هذا بغير ما ذكر، وهو أن المعنى يأبى ذلك.
و{كتم} يتعدّى لاثنين، فأولهما في الآية الكريمة محذوف تقديره: كنتم النَّاس شهادةً، والأحسن من هذه الوجوه أن تكون {من الله} صفة لشهادة أو متعلّقة بعامل الظرف لا متعلقة ب {كنتم}، وذلك أن كتمان الشهادة مع كونها مستدعة من الله عنده ابلغ في الأظلمية من كتمان شهادة مطلقة من عبادة الله.
وقال في ري الظمآن: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت له كقولك: ومن أظلم من زيد من جملة الكلمتين للشهادة، والمعنى: لو كان إبراهيم وبنوه يهودًا أو نصارى، ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه، لكن لما استحال ذلك مع عدلهن وتنزيهه عن الكذب علمنا أن الأمر ليس كذلك.
قال أبو حيان: وهذا متكلّف جدًّا من حيث التركيب، ومن حيث المدلول.
أما التركيب فإن التقديم والتأخير من الضَّرائر عند الجمهور.
وأيضًا فيبقى قوله: {مِمَّنْ كَتَمَ} متعلقًا: إما ب {أظلم}، فيكون ذلك على طريق البدلية، ويكون إذ ذلك بدل عام من خاص، وليس بثابت، وإن كان بعضهم زعم وروده، لكن الجمهور تأولوه بوضع العامّ موضع الخاص، أو تكون {من} متعلقة بمحذوف، فتكون في موضع الحال، أي: كائنًا من الكاتمين.
وإمّا من حيث المدلول، فإن ثبوت الأظلمية لمن جُرَّ ب {من} يكون على تقدير، أي: إن كتمها فلا أحد أظلم منه، وهذا كله معنى لا يليق به تعالى وينزه كتابه عنه.
قوله تعالى: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وعيد وإعلام بأنه لم يترك أمرهم سُدى، وأنه يجازيهم على أعمالهم.
والغافل الذي لا يفطن إلى الأمور إهمالًا منه؛ مأخوذ من الأرض الغُفْل، وهي التي لا عَلَم لها ولا أثر عمارة.
وناقة غُفْل: لا سِمَة بها.
ورجل غُفْل: لم يجرب الأمور.
وقال الكسائي: أرض غُفْل لم تمطر، غفلت عن الشيء غَفْلَةً وغُفُولَةً، وأغفلت الشيء: تركته على ما ذكر منك. اهـ. باختصار.